
على مدار عقود، أصيبت مؤسسات الدولة كافة بعيوب هيكلية مؤثرة بسبب استطالة العهد بالفساد المؤسسي المالي والإداري مع ضعف أنظمة الرقابة والمحاسبة الداخلية، ومع قصور إجراءات التقييم والتقويم الذاتي، وكان من أبرز صور الفساد توريث المهن والتعيين والترقي بالوظائف العامة والمؤثرة بالمجاملة والواسطة والمحسوبية، وبالرشوة أيضا في بعض الأحيان. ومن أسف أن يصبح الفساد ظاهرة اعتادها وقبلها وتعامل معها المجتمع المصري بسخريته اللاذعة وبمرونته المعهودة وبصبره المعتاد، فاستشرت وانتشرت كالوباء حتى أصابت مؤسسات هامة وحساسة كانت يجب أن تظل مستعلية وعصية على الفساد، كالنيابة والقضاء والشرطة وهيئات التدريس بالجامعات، بل أن فسادا عميقا قد طال مهنا حرة من ألصق صفاتها العدل والنبل والرحمة، كالطب والمحاماة. ورغم شيوع مظاهر التدين الشكلي، فإن شخصية الإنسان المصري والمنظومة الحاكمة لبنائه القيمي ولضميره الجمعي العام قد أصابتها تشوهات عديدة تستوجب إعادة التأهيل والتشكيل والبناء. أضف إلى هذا، فإن كافة مؤسسات الدولة بغير استثناء بحاجة ماسة إلى حزمة متماسكة ومتكاملة من الإصلاحات الجذرية الهيكلية، على أن تتم بطرق علمية وبمنهجية مؤسسية موضوعية مجردة ومتجردة، بمنأى عن حسابات التسييس والتحزب، وبمعزل عن أهواء أهل السلطة وجماعة الحكام، وإلا فإننا سنكون سائرين بجد وبسرعة على طريق إعادة إنتاج نفس صور وأشكال الفساد والاستبداد، فقط مع تغيير الأقنعة ومع تبديل الوجوه. ومن المؤشرات المبشرة إعلان الرئيس المنتخب السيد/ عبد الفتاح السيسي بكلمات قاطعة وبعبارات حاسمة الحرب على الفساد، متعهدا في خطاب التنصيب بأنه لن يرحم أي فاسد، أيا كان شخصه وبغض النظر عن حجم جريمته، وأيضا إعلانه أننا تعلمنا من أخطاء الماضي، وأننا لن نكرر نموذج أي من الدولة المستبدة أو الدولة الفاشلة، في إشارة واضحة للنظامين الأسبق والسابق. وبالنظر إلى تعدد وتنوع صور وأشكال الفساد التي ابتلي بها المجتمع المصري حتى أضحى خرق القانون روحا والالتفاف عليه نصا هو القاعدة والالتزام به هو الاستثناء، فلن يتمكن الرئيس والحكومة منفردين من تصحيح هذا الواقع المعوج في الأمدين المنظور والقصير إلا بتعاون كافة أفراد الشعب، بإعلان كل منا حالة الحرب على الفساد كل في موقعه ومحيطه، على أن يبدأ كل منا بنفسه، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهو الجهاد الأكبر. وعلى الله قصد السبيل.

الآراء الواردة تعبر عن رأي كاتبها وليس الجريدة
د. حنان راشد
